إيران وإسرائيل- صراع نووي نحو حرب إقليمية شاملة؟

المؤلف: أحمد الحيلة08.28.2025
إيران وإسرائيل- صراع نووي نحو حرب إقليمية شاملة؟

بنجاح باهر، تمكن بنيامين نتنياهو من إعادة ترتيب الأوراق، معلقًا مسار المباحثات الحساسة بين واشنطن وطهران حيال برنامج إيران النووي، بل والانتقال إلى مرحلة جديدة تنطوي على توجيه ضربة لإيران بغطاء أميركي سافر.

لقد كان بإمكان الرئيس ترامب إبرام اتفاق مُجدٍ مع إيران، يصون المنطقة من خطر التحول إلى التسلح النووي، مع الإبقاء على المشروع النووي في مساره السلمي، كما تنشد إليه طهران، وكما هو سائد في العديد من دول المعمورة، وذلك في مقابل تقديم حوافز اقتصادية مجزية واستثمارات هائلة للشركات الأميركية تتجاوز التريليون دولار، وإقامة شراكات وطيدة وتعزيز التعاون البنّاء بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.

إلا أن العقيدة الراسخة لدى إسرائيل المحتلة، ترفض بشكل قاطع فكرة امتلاك دولة عربية أو إسلامية لمشروع نووي سلمي، حتى وإن كان مقتصرًا على الجانب العلمي والمعرفي، خشية أن يتحول في لحظة غفلة إلى مشروع لإنتاج القنبلة النووية، كما حدث في باكستان، مما قد يخلق توازنًا استراتيجيًا للردع مع إسرائيل التي تعتبر تفوقها العلمي والعسكري ضمانة أكيدة لسلامة وجودها على أرض فلسطين المحتلة.

تدرك إسرائيل تمام الإدراك أنها تعيش في واقع الأمر ككيان مفروض بالقوة القاهرة على المنطقة وشعوبها، وكجسم دخيل لا يحظى بالقبول المطلق، على الرغم من مساعي التطبيع مع العديد من الدول العربية، وتؤمن بأن القوة الغاشمة والتفوق العسكري هما الضمانة الوحيدة والعامل الحاسم لبقائها، وإذا ما فقدتهما، فإن وجودها سيصبح مهددًا لا محالة.

هذا ما دفع إسرائيل إلى استهداف وتدمير مفاعل تموز النووي بالقرب من بغداد في عام 1981، وهو ما يفسر أيضًا إصرار نتنياهو الدائم على النيل من المشروع النووي الإيراني، سواء بتدميره أو تفكيكه، ورفضه القاطع أن يكون لإيران مشروعها السلمي.

المعركة إلى أين؟

شرعت إسرائيل في قصف إيران في يوم الجمعة الموافق 13 يونيو/ حزيران الجاري، مستغلة خداع الرئيس ترامب لطهران بتصريحاته المعسولة، واستدامة الاتصالات الأميركية معها تحضيرًا لجولة المفاوضات بينهما في سلطنة عُمان، والتي كانت مقررًا انعقادها بعد يومين فقط من تنفيذ تلك الضربة الغادرة.

الموقف الإسرائيلي ما لبث أن تطور بوتيرة متسارعة خلال أيام معدودة من بدء المعركة، على لسان رئيس الوزراء نتنياهو الذي أعلن بوضوح أن أهداف الحرب على إيران تتجلى في:

  1. تدمير شامل للمشروع النووي الإيراني.
  2. القضاء التام على المنظومة الصاروخية الإيرانية المتطورة.
  3. تغيير النظام الحاكم في إيران كنتيجة حتمية للحرب، وذلك في سياق إعادة رسم معالم الشرق الأوسط الجديد.

وفي هذا المنحى، تطور أيضًا السلوك الإسرائيلي العسكري ليتماشى مع تصريحات نتنياهو النارية، وذلك بقصف منشآت عسكرية حساسة ومنظومات صاروخية إيرانية بالغة الأهمية، ومصالح اقتصادية حيوية كحقل بارس للغاز، ومناطق مدنية مأهولة بالسكان، ومقر الإذاعة والتلفزيون، فضلاً عن مواقع المشروع النووي الإيراني.

الأمر اللافت للنظر هنا هو الموقف الأميركي المتردد، حيث أعلن الرئيس ترامب، يوم الثلاثاء الموافق 17 من الشهر الجاري، أنه يصبو إلى "نهاية حقيقية" للنزاع المحتدم بين إسرائيل وإيران، وليس مجرد وقف هش لإطلاق النار، وأنه يريد "خضوعًا كاملاً" من إيران و"استسلامًا غير مشروط".

يتزامن هذا الموقف مع حشد ضخم وعاجل للقوات الأميركية في المنطقة، من قبيل حاملات الطائرات العملاقة، ومقاتلات حربية متطورة، وطائرات لتزويد المقاتلات بالوقود في الجو، وقاذفات بي2 وبي52 المخصصة لحمل قنابل خارقة للتحصينات، في إشارة واضحة إلى ضرب مفاعل فوردو الواقع تحت الجبال بعمق قد يصل إلى 800 متر تحت سطح الأرض، والذي يستعصي على إسرائيل ضربه بمفردها دون مساعدة الولايات المتحدة وقاذفاتها الإستراتيجية.

إسرائيل، على الرغم من غطرستها وصلفها، لا تستطيع أيضًا إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، كما يزعم نتنياهو، بدون مساعدة الإدارة الأميركية وتدخلها السافر لتغيير النظام الإيراني، أو تغيير تموضع إيران السياسي في المنطقة.

ومع ذلك، ليس بالضرورة أن تتمكن واشنطن من تحقيق جميع أهدافها المنشودة، خاصة فيما يتعلق بواقع ومستقبل إيران السياسي، فهي دولة مترامية الأطراف تبلغ مساحتها 1.7 مليون كيلومتر مربع، وتمتلك إمكانات عسكرية واقتصادية هائلة، ويبلغ تعداد سكانها نحو 90 مليون نسمة، وهي دولة أكبر وأكثر تعقيدًا من العراق وأفغانستان اللتين فشلت فيهما واشنطن فشلاً ذريعًا.

سيناريوهات الحرب والعدوان على إيران:

يُرجَّح أن الرئيس ترامب قد وافق في البداية على الضربة الإسرائيلية لإيران، معتقدًا أنها ستشكل ضغطًا هائلاً عليها للتنازل على طاولة المفاوضات والتخلي عن المشروع النووي أو التخصيب، أي النزول عند الشروط الأميركية الإسرائيلية المجحفة.

ولكن بعد فشل الضربة الأولى في تحقيق هذا الهدف المنشود، وثبات إيران على موقفها الراسخ، واستيعابها للضربة الأولى، وشروعها في استهداف العديد من المواقع الحساسة على كامل مساحة إسرائيل المحتلة عبر منظومتها الصاروخية المتطورة، كل ذلك جعل المشهد أكثر تعقيدًا أمام إسرائيل وراعيتها الولايات المتحدة الأميركية.

هذه المراوحة بين القصف الإسرائيلي والرد الإيراني، ومن ثم التهديد بمزيد من التصعيد والتدخل الأميركي السافر، يقود المشهد إلى عدة سيناريوهات محتملة، أهمها:

الأول: عودة إيران إلى المفاوضات، نزولًا عند الشروط الأميركية

وذلك تفاديًا للقصف الأميركي المدمر الذي سيكون له تداعيات عسكرية واقتصادية وخيمة على إيران التي تعيش حصارًا اقتصاديًا قاسيًا منذ عقود، وتحويل إيران من قوة إقليمية طموحة إلى دولة منكفئة على نفسها، مما يمهد الطريق لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، كما يزعم نتنياهو.

الثاني: استسلام إيران وهزيمتها عسكريًا

إذا شاركت الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب على إيران، مع استمرار الصمت الإقليمي والدولي المخزي وعدم تدخل القوى العظمى كالصين وروسيا لدعم إيران، وبقاء الأخيرة منفردة تحت القصف الأميركي الإسرائيلي المكثف، ربما يفضي ذلك إلى هزيمة إيران أو استسلامها، وهذا سيؤدي إلى تغيير المشهد السياسي داخل إيران وفي المنطقة برمتها.

الثالث: الحرب الإقليمية

مشاركة الولايات المتحدة في الحرب على إيران، قد تدفع العديد من الأطراف الإقليمية إلى التدخل، ومن ثم تتحول الحرب ضد إيران إلى حرب إقليمية شاملة يشارك فيها العديد من الأطراف، لا سيما إذا صمدت إيران في المواجهة، وتعاملت معها على أنها حرب وجودية. ومن الأطراف التي يمكن أن تشارك أو تتدخل في سياق الحرب الإقليمية:

  1. حزب الله اللبناني، بفتحه الجبهة الشمالية مع إسرائيل، فهزيمة إيران ستعني له التلاشي عمليًا. وإذا تمكن الحزب من معالجة الاختراقات الأمنية التي عانى منها في معركة إسناد غزة، فإنه قد يملك القدرة على إيذاء إسرائيل واستنزافها، لا سيّما أنه توقّف عن الاشتباك مع إسرائيل في العام 2024 وهو في ذروة المواجهة على الجبهة الشمالية.
  2. اليمن الذي لم يتوقف عن إسناد غزة، من المرتقب أن يشارك في الحرب ضد إسرائيل، العدو المشترك، وبإمكانه إعاقة حركة الملاحة وحركة القطع العسكرية الأميركية عبر باب المندب الاستراتيجي.
  3. الحشد الشعبي العراقي الذي يمتلك مقاتلين مدربين وإمكانات تسليح مهمة، وبإمكانه التدخل في المعركة وهو على تخوم الجبهة الغربية لإيران الأكثر عرضة للاستهداف، وليس بعيدًا عن إسرائيل المحتلة التي استهدفها سابقًا عبر المسيّرات.
  4. الصين وروسيا، قد تجدان في التدخل الأميركي المباشر في الحرب، فرصة سانحة لدعم إيران لاستنزاف واشنطن في سياق الصراع والتنافس الدولي المحتدم، ناهيك عن أن ذلك قد يعزز فرص روسيا في أوكرانيا، والصين في تايوان، ويوسع نفوذهما عالميًا.
  5. تركيا وباكستان؛ ليس لهما مصلحة في انكسار إيران، وهما دولتان جارتان لها، وتدركان تمامًا تداعيات أي فوضى عارمة تنتج عن انهيار الدولة الإيرانية، كما أن إسرائيل لا تضمر لهما خيرًا في سياق التنافس الإقليمي، فإسرائيل منزعجة بشدة من النفوذ التركي المتزايد في سوريا على سبيل المثال، ومنزعجة من باكستان كدولة إسلامية تمتلك قنبلة نووية، وقد صرح نتنياهو في إحدى مقابلاته الصحفية السابقة بأنه بعد استهداف المشروع النووي الإيراني، فإن إسرائيل معنية باستهداف المشروع النووي الباكستاني أيضًا.

إذا تمسكت إيران بموقفها الرافض ولم تستسلم لإسرائيل وللشروط الأميركية المجحفة، وتدخلت الأخيرة عسكريًا ضد إيران، فالراجح أن يذهب المشهد إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، ستكون لها تداعيات أمنية واقتصادية هائلة على المنطقة ودولها في العراق، ولبنان، وسوريا، والأردن، واليمن، ودول الخليج العربي المشاطئة لإيران.

من الطبيعي أيضًا أن يتأثر المجتمع الدولي بسيناريو الحرب الإقليمية، فعدد الأطراف المتدخلة بشكل مباشر وغير مباشر سيكون كبيرًا ومتشعبًا في مصالحه، ناهيك عن التداعيات الاقتصادية المرتقبة عندما يتم إغلاق باب المندب في البحر الأحمر ومضيق هرمز مدخل الخليج الذي يصدر نحو 30% من الطاقة، و25% من الغاز الطبيعي إلى العالم.

إسرائيل وجدت كقاعدة متقدمة ومخلب غربي أميركي في خاصرة المنطقة العربية التي لم تشهد هدوءًا واستقرارًا منذ إنشاء هذا الكيان في العام 1948، على أساس استدامة قوة إسرائيل مقابل ضعف الدول العربية مجتمعة أو منفردة، وهذا المشهد يتطور واقعيًا لينسحب على العالم الإسلامي من إيران إلى تركيا إلى باكستان.

الحرب الإقليمية إن وقعت، سيكون لها تداعيات جسيمة على مستقبل المنطقة وشعوبها. وهزيمة إيران في هذه المعركة لن يلغيها كدولة قائمة منذ آلاف السنين وكمكون حضاري مهم في غرب آسيا، ولكن ما هو مصير إسرائيل ككيان هش إن هزمت أو فشلت في هذه المعركة المصيرية؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة